غزة/ سماح المبحوح:
في الوقت الذي تؤكد فيه الأمم المتحدة أن الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني، ويقوّض إمكانية تنفيذ حل الدولتين وتدعو إلى وقفه، يضرب نتنياهو كل ذلك بعرض الحائط ، ويتحدى المجتمع الدولي بزيارته للمستوطنات ويدعو للحفاظ عليها، وبذلك يقضي على حلم الفلسطينيين بإقامة دولة لهم ذات سيادة على أراضيهم المحتلة.
والأحد الماضي ، زار رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مستوطنة عوفرا بمناسبة مرور 50 عاماً على تأسيسها، وفق إعلام عبري.
وخلال الزيارة، التقى نتنياهو مع قدامى المستوطنين ورؤساء مجلس المستوطنات، وألقى كلمة أكد فيها على «أهمية الحفاظ على الاستيطان والتمسك بأرض إسرائيل».
وشدد:» قلت قبل 25 عاما إننا سنفعل كل شىء لضمان استمرار تمسكنا بأرض «إسرائيل»، ومنع إقامة دولة فلسطينية، ومنع محاولات اقتلاعنا من عنا، ما وعدت به نفذناه».
بالتزامن مع ذلك، يتصاعد حراك الاعتراف بدولة فلسطين، حيث أطلقت 15 دولة غربية بينها فرنسا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا والبرتغال، أواخر يوليو/ تموز الماضي، نداء جماعيا للاعتراف بدولة فلسطين ووقف إطلاق النار في قطاع غزة.
رسائل متعددة
أمين أبو وردة أكد أن نتنياهو بعث من خلال زيارته لمستوطنة عوفرا التي تقع على بعد أمتار من مركز السلطة الفلسطينية في مدينة رام الله بالضفة الغربية، رسالة واضحة للسلطة بأن إقامة دولة فلسطينية أصبح في «مهب الريح»، أي لا وجود لذلك الحلم والمخطط على أرض الواقع.
وأوضح أبو وردة لـ»الاستقلال» أن الزيارة لم تأتي من عضو كنسيت في أي الأحزاب الإسرائيلية، إنما من أكبر رئيس كتلة في الائتلاف الحكومي « الليكود»، ومن أعلى رأس الهرم الإسرائيلي، وبذلك يؤكد على أن سموتريتش وزير المالية وبن غفير وزير الأمن القومي «الداخلية» ليسوا الأكثر تطرفا في دولة «اسرائيل» إنما رئيس دولتهم يتبنى ذات المواقف والاتجاهات العملية على الأرض.
وبين أن الزيارة تأتي كإقرار من نتنياهو بأن حدود دولتهم ليست فقط على الخط الفاصل عام67 إنما في قلب الضفة وفي قلب المستوطنات، وبذلك على المجتمع الدولي والعرب والأوروبيين أن يدركوا جميعهم بأن لا اعتراف بإقامة دولة فلسطينية وأن «إسرائيل» ماضية بضم الضفة.
وأشار إلى أن بعض الخطوات والمبادرات التي يتخذها الجانب الفلسطيني والتصريحات التي يدلي بها لإثارة ملف الضفة والاستيطان المستشري فيها، كلها تعد شكلية وصورية ولن تغير من الواقع شيئا، فنتنياهو لا ينظر لأي طرف دولي أو عربي أو فلسطيني، إنما يعمل بكل جهده لتنفيذ مشاريعه الاستيطانية، دون مراعاة لأي روابط متعلقة بعلاقاته مع مختلف الأطراف الدولية والعربية والفلسطينية.
تحمل دلالات عدة
المحلل السياسي أنس أبو عرقوب رأى أن زيارة نتنياهو تحمل دلالات منها طمأنة قادة المستوطنات بأن مطلبهم القاضي بفرض السيادة الاسرائيلية على الضفة الغربية وضمها لا يزال على جدول أعماله، مشيرا إلى أن إرضاء قادة المستوطنات بمثابة إرضاء غالبية الجمهور الإسرائيلي لاعتبارهم اصحاب نفوذ وجزء من دوائر صنع القرار.
وقال أبو عرقوب في حديثه لـ»الاستقلال» إن زيارة نتنياهو لمستوطنة عوفرا وتبني مطالبهم بضم الضفة وفرض السيادة عليها، يأتي في سياق ارضاء قادة المستوطنات لكسب أصواتهم في الانتخابات، إلى جانب أن ذلك ينسجم مع دوافعه الإيدلوجية ومخططاته المستقبلية المتعلقة بإنهاء حل الدولتين من خلال المصادقة على آلاف الوحدات الاستيطانية التي تفصل جنوب الضفة الغربية عن وسطها وعزل مدينة القدس عن مدن الضفة».
وأضاف :» الزيارة تعزز المشروع الاستيطاني بالضفة بكل مكوناته إلى جانب أنها تعطي دفعة معنوية للمضي قدما دون تراجع فيه».
وبشأن الخيارات المتاحة أمام الفلسطينيين لمجابهة مخططات حكومة نتنياهو، أكد أن خيارات الفلسطينيين بالضفة محدودة جدا، فالعالم تخلى عنهم وتخلى عن الفلسطينيين عموما، و»اسرائيل» تشعر أن هذه الظروف مواتية للإجهاز على حل الدولتين، مع وجود دعوات اسرائيلية لاستنساخ ما جرى بالقطاع بمدن الضفة.
كما أكد أن الموقف الدولي ضعيف، فـ»اسرائيل» تحظى بحماية الفيثو الأمريكي، كما تحظى بغطاء دبلوماسي من ألمانيا الحليف الثاني لها، حيث أنها ألمانياـ تعد صاحبة القرار الأهم في الاتحاد الأوروبي، وبذلك تأمن الشرعية الدولية لها.
وبموازاة حرب الإبادة في غزة، قتل الجيش الإسرائيلي والمستوطنون في الضفة، بما فيها القدس الشرقية، ما لا يقل عن 1015 فلسطينيا على الأقل، وأصابوا نحو 7 آلاف، إضافة إلى اعتقال أكثر من 18 ألفا و500، وفق معطيات فلسطينية.
وترتكب إسرائيل بدعم أمريكي إبادة جماعية في غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلّفت الإبادة الإسرائيلية 61 ألفا و944 قتيلا و155 ألفا و886 مصابا من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة أزهقت أرواح 258 شخصا، بينهم 110 أطفال.
التعليقات : 0